رواد الأدب العماني... اللواح الخروصي
سالم بن غسان بن راشد الخروصي، الملقب باللواح، لأنه كان يعمل ألواحا من الرخام الأسود ثم يبيعها لطلاب المدارس.
ولد بقرية "ثقب" من وادي بني خروص حوالي 895هـ.
تنقل من الرستاق إلى بهلا، ثم رحل إلى نزوى للتعلم.
أجاد في النظم والنثر، وذاع صيته، وتناقل الناس شعره.
وله ديوان في الشعر.
وكانت له مكانة علمية معتبرة، وعرف بالتقوى والورع.
يقول المهندس الصقلاوي عن الحياة السياسيـَّة والثقافية في عصر اللواح، ومدى تأثير هذه الحياة فيه وفي شعره....فإنَّ الاعتقاد يحدونا إلى أنَّ الشاعر اللواح بما امتلك من قدرة على الجهر بالحقِّ والشجاعة في القول، والتصاق بمجتمعه، لا بدَّ وأن تكون له بعض القصائد التي تحمل إشارات عن الأوضاع السياسيـَّة وآثارها في عمان؛ ذلك لأنَّ واجبه الديني أوَّلا والوطني ثانيا، يحثَّانه على محاولة الإصلاح والدعوة إلى الهدى والرشاد، وفي سبيله إلى ذلك لا بدَّ وأن يواجه ما يراه معوَجّا، غير مستقيم في طريق الهداية والفوز، وهذا يسوقنا إلى الاعتقاد بأنَّه لم يصل إلينا شعر اللواح كاملا في جزئي الديوان؛ حسبما أخرجته وزارة التراث..."، ولهذا لشعره قيمة تاريخية، فكم من الأحداث والمواقف والمشاهد والمناظر والمواقع والشخصيات والمعالم والمراكز والمحطّات ذكرها الشاعر في شعره، وسجَّلها وأثبتها ليقرأها ويطّلِع عليها من يطالع شعره من الأجيال المتلاحقة.
في كثير من هذه التسجيلات والإثباتات تعويض وملء للفراغ والثغرات التي عرفت في التاريخ العماني؛ بسبب الإهمال أو قصد التغييب والإبعاد.
هذه إحدى إيجابيات الشعر العماني بعامة، وهو تسجيل التاريخ بعناية، مقابل تقصير التاريخ نفسه في القيام بهذه المهمّة، وكتابة ذاته.
من هنا كان شعر اللواح من الوثائق المهمّة التي قدّمت جزءا من التاريخ العماني.
وتميز أيضا بغزارة الإنتاج الشعري وتنوُّعه، وأبان عن براعته في النظم، كما حاول الكشف عن مكانة الشاعر في المسيرة الشعرية العمانية.
واللواح لم يكن شاعرا فقط، بل كان شاعرا ولغويّا وفقيها وعارفا، وتتجلَّى لنا مشاعره عن حماسته في عذوبة ألفاظه الرائعة البليغة، التي هي كنه غاية هذه الشخصية البارعة..." فهو شاعر كبير وفنّان مبدع -رغم بقائه في دائرة التقليد للقدامى في طريقة نظمه الشعر: لغة وأسلوبا وتصويرا- تتوفَّر في شعره عناصر الفنِّ الأصيل والكتابة الجيِّدة.
من جملة ما أعطى شعره هذه القيمة ما فيه من موسيقى داخليـَّة وخارجيـَّة.
"أي الإيقاع والوزن والجرس"، وأغراض الشعر التي تناولها اللواح: الرثاء، والفخر بالنفس، والهجاء، وطلب العفو والمناجاة...
ومن أروع شعره: وتحدّث أخبارها عن حالها وتكشَّفت عن سترها أعمالها يا ساعة ذهلت مراضعها بها والحاملات تساقطت أحمالها وصواعق فيها بحدث نواعق متكاتفات عندها أهوالها ورواجف موصولة بروادف شابت لشدّة هولها أطفالها قد جمعت فيها الخلائق كلّها وتجمّعت فيها لها أوجالها وتطايرت فيها الصحائف بينها وتكاثرت حذر الجزا أعوالها هناك أيضا قصيدة عنوانها: "ما بال نزوى" يتحسَّر فيها الشاعر وينصح ويعظ، ويرسل نداءاته، ويرجو الاستفادة ممّا وظَّفه من المعاني، التي وردت في سورة "الشمس" مع استلهام فاصلتها.
ومنها: ألا هل مبلغ منِّي رجالا نصيحات، وبورك من وعاها بهذي الشمس أقسم أو ضحاها وبالقمر المنير إذا تلاها وأقسم بالنهار إذا جلاها وبالليل البهيم إذا دجاها وأقسم بالنهار وما بناها وبالأرض الفسيح وما طحاها ومن شعره: يا من تجرد بالإجلال والكرم والحمد والمجد والتنزيه والعظم يا معدم الشيء موجود بقدرته ومحدث الشيء موجود من العدم يا عالما لخفيات الذنوب ويا سميع داعيه إسرارا بلا كلم يا من إذا ما دجى ليل التمام يرى فيه دبيب قطار النمل في الظلم يا خالق الخلق ملقيا بعيشته ويا مغذي جنين البطن في الرحم وتحضر الشكوى [البوح بمكنونات النفس، للتنفيس عن ألم بها] بكثرة في شعر اللواح، نظرا للظروف المادية التي عاشها، وقال هذا النص بعد أن نوى الحج، فذهب ولكن في جدة نفدت مؤونته، فنراه يندب حظه العاثر، ويتحسر على نفسه، خوفا من عدم بلوغ مناه بوصوله مكة.
يقول: لا طارف عاد عندي لا ولا تلدُ في جدة فبلي يا جدة جددُ والمرء إن برئتْ من ماله يده فما له أبدًا في العالمين يدُ ما ضاق صدر الفتى من ضيق ثورته إلا وضاقت على أخلاقه البلدُ واحر كبدٍ غريبٍ أسر غربته والجسم يبلى إذا ما حرت الكبدُ إن أرقد الليل خالي البال بتُّ على مضاضة البين كالملدوغ أرتعدُ وكيف يملأ عينا بالكرى رجلٌ بجدةٍ لا صديق لا ولا تلدُ أنا الغريب غدت لي جدةٌ وطنا كأنها اللحد ما لي عنه ملتحد كأنني يونس لي جدةٌ جعلتْ حوتاً فلست بها أبدي ولا أعد أحوم كالطير فوق الوكر يرفعه غيم من البين مسبوقا به النكد خان المعينان لي صبر وحسن عزى وأوفيا المتعبان الحزن والسهد لا حيلةٌ لغريب الدار غير شجى وعبرةٌ وكفتْ في الخد تنسرد ما حال ناءٍ عن الأوطان مبتعدٌ وعنه ليلى نأت والصبر والجلدُ النص مترابط يحمل موضوعا واحدا هو الشكوى، يقول فيه اللواح، ليس معي جديد ولا موروث قديم من المال ولكن المصائب تتجدد علي، ويد الإنسان ماله، فإن نفد فلا يد عنده، وحين تنفد ثروته تضيق عليه البلد، وأنا حزين القلب ومن انكسر قلبه انكسر جسمه، ومنعني الهم من النوم، وكيف أنام وأنا غريب في جدة لا صديق لي فيها ولا مال عندي، لقد أصبحت جدة وطنا لي رغما عني كالقبر الذي لا مهرب منه، أو كأنها حوت يونس وأنا مسجون فيها، أحوم قلقا كالطير الذي يحاصره المطر ولا حيلة عنده، ولا صبر لي على الحزن والسهد، ولا حيلة إلا الدموع، ولا غرابة فأنا غريب نفد صبري..









