عذب الكلام

Image

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة.

وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

حُسْنُ التعليل: أنْ يُنْكِرَ الأديبُ - صراحةً أو ضمناً - علّة الشيء المعروفة، ويأتي بعلّة أخرى أدبية طريفة، كقول المعرّي في الرثاء: وما كُلْفةُ البَدْرِ المُنير قديمةٌ ولكنّها في وَجْههِ أثَرُ اللَّطْمِ يقصد أن الحزن على «المَرْثي» شملَ كثيراً من مظاهر الكون، ومنها البَدْر.

ومثله قول أخيل الرُّندي: أمّا ذُكاءُ فَلَمْ تَصْفَرَّ إذا جَنَحَتْ إلّا لِفُرْقَةِ ذاكَ المَنْظَرِ الحَسَنِ وللنَّسيم عَلى أرْجائه حَبَبٌ يكادُ مِنْ رِقَّةٍ يُجْلى على الغُصُنِ وقول الشاعر يصفُ كَرمَ مَمْدوحه: ما قصَّرَ الغيْثُ عن مِصرٍ وتُربتِها طبْعاً ولكنْ تعدَّاكم مِنَ الخَجَلِ ولا جرَى النِّيلُ إلَّا وهْوَ مُعْترِفٌ بسَبْقِكم فلِذا يَجْري على مَهَلِ مَوْكِب العُشّاقِ عُمرَ بنِ الفارض (بحر البسيط) نَشَرْتُ في مَوْكِب العُشّاقِ أعْلامي وكان قَبْلي بُلي في الحُبّ أعْلامي وسِرْتُ فيهِ ولَمْ أبْرَحْ بدَوْلتِه حتى وجَدْتُ مُلُوكَ العِشْقِ خُدّامي ولَمْ أَزَلْ مُنْذُ أخْذِ العَهْدِ في قِدَمي لِكَعْبَةِ الحُسْنِ تَجْريدي وإجْرامي وقَدْ رَماني هَواكُمْ في الغَرامِ إلى مَقامِ حُبٍّ شريفٍ شامخٍ سامِ جَهِلْتُ أهْليَ فيهِ أهْلَ نِسْبَتِهِ وهُمْ أَعَزّ أَخِلّائي وألْزامي قَضَيْتُ فيهِ إلى حينِ انْقَضى أجَلي شَهْري ودَهْري وساعاتي وأعْوامي ظَنّ العَذُولُ بأنّ العَذْلَ يوقِفُني نامَ العَذُولُ وشَوْقي زائدٌ نامِ إنْ عامَ إنْسانُ عَيْني في مَدامِعِهِ فَقَدْ أُمِدّ بإحْسانٍ وإنْعامِ سَلَكْتُ كُلّ مَقامٍ في مَحَبّتِكُمْ وما تَرَكْتُ مَقاماً قَطُّ قُدّامي وكُنْتُ أحسَبُ أنّي قد وَصَلْتُ إلى أعْلى وأغْلى مَقامِ بَيْنَ أقْوامي حتى بَدا لي مَقامٌ لم يكُنْ أَرَبي ولَمْ يَمُرَّ بِأفْكاري وأوْهامي إنْ كان مَنزِلَتي في الحبّ عندكُمُ ما قَدْ رأيْتُ فَقَدْ ضيّعْتُ أيّامي أُمْنِيّة ظفِرَتْ روحي بِها زَمَناً واليَوْمَ أحْسَبُها أضْغاثَ أحْلامِ أَودَعْتُ قَلْبي إلى مَنْ لَيْسَ يَحْفظُه أبْصَرْتُ خَلْفي وما طالَعْتُ قُدَّامي في ترتيب الضَّحك: التَبَسُّمُ أَوَّلُ مَراتِبِ الضَحِكِ.

ثُمَّ الإهْلاسُ، وهو إخْفَاؤُهُ.

ثمَّ الافْتِرارُ والانْكِلالُ، وهما: الضَّحِكُ الحَسَنُ.

ثُمَّ الكَتْكَتَةُ، أَشَدُّ مِنْهُما.

ثُمَّ القَهْقَهَةُ، ثُمَّ القَرْقَرَةُ.

ثُمَّ الكَرْكَرَةُ.

ثُمَّ الاسْتِغْرَابُ.

ثُم الطَّخْطخَةُ، وهي أنْ يَقُولَ: طِيخِ طِيخِ.

ثُمَّ الإِهْزاقُ والزَّهْزَقَةُ، وهِيَ أَنْ يَذْهَبَ الضَّحِكُ بِهِ كلَّ مَذْهَبٍ.

وفي ترْتِيبِ البُكَاءِ: إذا تَهَيَّأَ الرّجلُ للبكاءِ قِيلَ: أَجْهَشَ.

فإنِ امْتَلأتْ عَيْنُهُ دمُوعاً قِيلَ: اغْرَوْرَقَتْ عَيْنُهُ وَتَرَقْرَقَتْ.

فإذا سالَتْ قِيلَ: دَمَعَتْ أو هَمَعَتْ.

فإذا حاكَتْ دمُوعُها المَطَرَ قِيلَ: هَمَتْ.

فإذا كَانَ لِبُكَائِهِ صَوْت قِيلَ: نَحَبَ وَنَشَجَ.

فإذا صاحَ مَعَ بُكائِهِ قِيلَ: أَعْوَلَ.

ويقال: زرَّتْ عَيْنُهُ إذا توقَدتْ مِنْ خَوفٍ أو غَيْرِهِ.

وحَرِجَتْ إذا حَارَتْ؛ قَالَ ذو الرُّمَّةِ: تَزْدادُ لِلْعَيْنِ إِبْهاجاً إذا سَفَرَتْ وتَحْرَجُ العَيْنُ فيها حِينَ تَنْتَقِبُ يقول بعضُهم «ولاذَ الأسيرُ بالفَرارِ» (بفتح الفاء) ويقصدون «الهُروب»، وهي خطأ، والصّواب «الفِرار» بكسرها.

أما الفَرار، فتعني الكَشْفَ عن أسنان الدّابة، لِمعرفةِ كم بلغت من السنين.

والمصدر «المَفَرُّ» (بفتح الميم والفاء وتشديد الراء) و«المَفِرُّ»، بفتح الميم وكسر الفاء وتشديد الراء يعني الهروب أيضاً، قال الشاعر: أَفَرَّ صِيَاحُ الْقَوْمِ عَزْمَ قُلُوبِهِمْ فَهُنَّ هَوَاءٌ، وَالْحُلُومُ عَوَازِبُ (أَيْ حَمَلَها على الْفِرارِ، وجَعلَها خالِيةً) يكثرُ اسْتخدامُ مثلِ هذهِ العِبارةِ «سَبَقَ وذَكَرْنا هذا الأمْرَ»؛ وهي خطأ، فلم ذكروا الواو قبلَ الفِعْل الذي جاءَ بِغَيْرِ فاعلٍ؟ فما الذي سَبق؟..

والصَّواب «سَبَقَ أنْ ذَكَرْنا»، أي «سَبقَ ذكْرُنا».

إذَا تَرَحَّلْتَ عَنْ قَوْمٍ وقَدْ قَدَرُوا أَنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرَّاحِلُونَ هُمُ شَرُّ الْبِلادِ مَكانٌ لَا صَدِيقَ بِهِ وشَرُّ ما يَكسِبُ الْإِنْسانُ مَا يَصِمُ البيتان لأبي الطيّب، يقول إنّ أسوأ الأماكن، هو الذي لا يوجد فيه من يُسْتروح إليه ويؤنَسُ بودّه، وشرُّ ما كسبه الإنسان ما عابه وأذلّه..

اقرأ القصة الكاملة من الموقع الرسمي