خاتمة اللغة كتقنية وتقانة
هل يخطر ببالك، وأنت تجلس إلى مائدة الإفطار، وأمامك الرغيف، بيت ابن الرومي؟ حين مرّ بالخبّاز، لم يكن يدري أنه كان أمام مشهد من أروع مشاهد الفيزياء في الكون.
لكن أكثر الناس لا يعلمون أنّ الكون لا يعشق شيئاً عشقه اللفّ والدوران، ممّا دون الذرّة، إلى ما فوق المجرّة، وإذا كان للأكوان الموازية وجود، فأغلب الظن أنها لن تكون ثابتةً جامدةً، وإن بدت للناظرين بلا حراك.
تُصوّر لنا كاميرا خيال ابن الرومي فيزياء الرغيف بين يدي الخبّاز: «ما بين رؤيتها في كفّه كرةً..
وبين رؤيتها قوراء كالقمرِ...
إلاّ بمقدار ما تنداح دائرةٌ..
في صفحة الماء يُرمى فيه بالحجرِ».
أشار القلم أمس في العمود إلى أن «اللغة نظام معقّد في تقنياته وتقاناته، لكن له تطابقات مع الكثير من أنظمة الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا».
أليس من الواجب توضيح المسائل وضرب الأمثال؟ الجاذبية المذهلة الناجمة عن الدوران الرهيب المهيب، من الذرّة إلى العناقيد المجرّيّة الجبّارة، تجعل كل شيء منتظماً في نظام قوانينها الفيزيائية.
نبدأ بمبحثنا، تقنية اللغة وتقانتها.
بدلاً من أن يصفع الأستاذ معنويات الطالب لكونه ارتكب جريمة نصب حضرة جناب الفاعل، ورفع المفعول بينما هو «يسواش»، يكتفي بإفهامه أن اللغة ليست أقلّ شأناً من حركة السير، حتى لا نحترم قانون المرور فيها.
عدم احترام إشارات المرور اللغوية، التي هي قواعد النحو والصرف، تترتب عليه غرامات ومخالفات تصل في الحدّ الأقصى إلى الرسوب.
تعالوا، يا أعزائي، نتأمل روعة الخلق الكوني الذي يتناغم فيه كل شيء، بما في ذلك اللغة.
الحرف في جلّ اللغات لا معنى له وحيداً، أمّا في العربية فله معنى في حالات كفعل الأمر: رَ من رأى، شِ من وشى، قِ من وقى..
لكن بحرفين أو ثلاثة أو أربعة، يصير لديك قاموس، لغة.
من الحرف تشكّل كلمة لها مدلول، من بضع كلمات تصنع جملة، من مجموعة جمل تحصل على فقرة، بفقرات يكون لديك فصل، بعدد من الفصول يكتمل الباب، وبأبواب عدّة يكتمل الكتاب.
أحمد، تعالَ إلى السبّورة، هل تستطيع أن تنسج لنا على هذا المنوال، فنرى أن جسم الإنسان في توافق عظيم مع هذا النظام الكوني؟ نعم يا أستاذ: إن الذرّة الواحدة تشبه الحرف.
والجزيء كالمفردة، مثل جزيء الماء من ذرّتي هيدروجين وذرّة أكسجين.
من الجزيئات تتكوّن الخليّة، من الخلايا يتشكل النسيج، ومن الأنسجة يكون العضو، ومن الأعضاء نرى الجهاز، ومن الأجهزة يكتمل الجسم.
أحسنت يا أحمد.
تأملوا: قانون الكوكب حاكم يتجلى في كل شيء: البيت، الحيّ، المدينة، المحافظة، البلد، القارّة، الكوكب، المنظومة، المجرّة، عناقيد المجرّات، وأخيراً الكون.
لزوم ما يلزم: النتيجة العرفانية: «وتحسب أنك حرفٌ صغيرٌ..
وفيك انطوى عالمٌ من كُتبْ»؟.












