جمعة الفيروز.. مبدع يقاوم النسيان

Image

كثيرة هي المؤلفات والكتب التي تتناول سيرة وتجارب كتّاب وأدباء إماراتيين في مختلف الضروب الإبداعية والأدبية، من أجل تخليد ذكراهم وسيرتهم، والإبقاء على كلماتهم حية في الذاكرة حتى لا يطويها النسيان، فهم بلا شك قد قدموا الكثير من أجل بلادهم الإمارات، فتلك المؤلفات التي تحكي عنهم هي سيرة وطن احتفوا به في أشعارهم ونصوصهم السردية وغير ذلك من أشكال وأنواع الكتابة الإبداعية.

«جمعة الفيروز بين احتراقات الذاكرة واختراقات النسيان»، للكاتب عبد الله السبب، وصدر في طبعته الأولى عن مؤسسة سلطان بن علي العويس، عام 2012، ضمن سلسلة «أعلام من الإمارات»، هو ضمن تلك المؤلفات التي تمارس فعل الاحتفاء بسيرة المبدعين والأدباء والكتّاب الذين بروزا في شتى الأنماط الأدبية، ويتحدث هذا الكتاب عن الشاعر والقاص الإماراتي الراحل جمعة الفيروز «1955 ـ 2001»، الذي يعد من أشهر وأبرز الأدباء الإماراتيين من جيل الرواد ومن الذين صنعوا فتوحات كبيرة في مجال الشعر والكتابة القصصية، حيث يحتل مكانة مميزة في خريطة الإبداع الخليجي والإماراتي، وصدر له عدد من الأعمال الأدبية والشعرية، منها: «صرخة البدء»، و«خواطر وذكريات»، و«فجر الحب»، و«تباريح لم تكتمل»، وغيرها من الإصدارات.

وفي الكتاب فإن عبد الله السبب، يسرد فصولاً من حياة الفيروز ليس بوصفه باحثاً أو متتبعاً لسيرته، بل بحكم العلاقة والصداقة الوثيقة التي جمعته بالكاتب الراحل، كانت بدايتها مبكرة حتى أصبحا اسمين شعريين لهما وزنها في الساحة الثقافية الإماراتية، والكاتب يقدم غوصاً عميقاً وإضاءات في الكثير من الأشياء والمواقف التي قد لا تكون معروفة لدى الكثيرين سواء من القراء أو الكتاب والنقاد، حيث إن السبب في هذا الكتاب يرسم لوحة بألوان المحبة الزاهية، فهو يركز على تفاصيل كثيرة من تلك العلاقة القوية فينشر تحت عنوان «مخطوطاتي الفيروزية»، حكاية المخطوطات الشعرية التي كان الفيروز يبعث بها إليه ليطلع عليها.

* استهلال ولعل اللافت في هذا الكتاب تلك الكتابة الاستهلالية الشاعرية التي تؤكد عمق العلاقة بين السبب والفيروز، حيث جاء فيها: «في منطقة سدروم بإمارة رأس الخيمة، وتحديداً في عام 1955م، ولد طفل أسمر يدعى جمعة موسى الفيروز إبراهيم، وحين اشتد عوده وصار له كيانه في الحياة وفي الوطن والزمن والفن والأدب والثقافة، صار جمعة الفيروز بقلبه الأبيض وبفكره الناصع والنابض بالحياة والأمل، وبالألم الذي ظل يلازمه كظله حتى فارق الحياة وهو نائم في فراشه الأخير في رأس الخيمة في 19 فبراير عام 2001، تاركاً خلف ظهره آلامه التي كابدها مراراً وكبّدته راحته وطمأنينة فؤاده، فيما حمل معه آماله التي يلتمس فيها رحمة من الله وسعادة من ربٍّ ودود، فبين الموت والحياة سبر أغوار الكتابة بشتّى أنواعها.

الشعر، القصة، الخواطر، المقالات والكتابات الفلسفية، والقراءات التأملية في نتاجات الآخرين، وبين كتابة وأخرى كانت روحه المرحة عصفوراً نبيلاً يكافح الهواء والأمراض المتباينة الأنفاس والمستعصية على النفس والذاكرة والفكرة والحرية».

الكتاب يقع في 340 صفحة من القطع المتوسط، ويشتمل على سبعة فصول هي: «فيروزيات بين صفتين»، و«فضاءات»، و«شهقتان والثالثة على أهبة الصهيل»، و«رباعي أضلاع الطاولة»، و«بعد عقد من الرحيل»، و«في وداع الجوهرة السمراء» ويضم فصل فيروزيات، عدداً من المقالات التي كتبها الفيروز خلال مسيرته الإبداعية، وأخباراً، ومرويات تكشف جوانب من حياة الفيروز ومنها كلمته في اليوم العالمي للشعر خلال احتفال نظمته دائرة الثقافة والإعلام عام 2000 يقول فيه: هكذا نكون - كما يبدو أننا معظم الشعراء- حالات وجودية استثنائية، وتلك هي صورة الشاعر العربي في تجاربه، حالة تحلل وإشراق، جسد غائب لكتابة عاشقة، قلقة ومرتحلة».

بينما يستعرض فصل«بين ضفتين»، المجموعات الشعرية والقصصية التي كتبها الفيروز، ليجمع بذلك عدداً من الشهادات، وكل ما كتب عنه من مقالات وآراء نقدية تناولت تجربته، فينقل عن الكاتب عبد الفتاح صبري:«جمعة الفيروز علامة مهمة عند التأريخ للأدب الإماراتي، فهو من الجيل المؤسس الذي وعى الحياة على قيام الاتحاد، ولذلك شغلته أسئلة المستقبل والانحياز إلى البحث في صدقية وجدية معطيات التغيير»، ويحتوي الكتاب كذلك على القراءات والمقالات النقدية التي كتبت عن الفيروز، منها ما خطّه كل من: الكاتب مسعد النجار، وسامح كعوش، وأحمد عبد العزيز الحسين، والشاعر هشام المعلم، والكاتب عبد الله حبيب، ويحيي الخواجة ومرعي الحليان وغيرهم من نقاد وكتاب وفنانين تناولوا تلك التجربة الثرية وأشبعوها بحثاً ونقداً، حيث يحتشد الكتاب بالعديد من الشهادات والكتابات التي تتيح فرصة التعرف على الفيروز ورصد سيرته وتناول تجاربه الإبداعية من زوايا متعددة.

ويتواصل ذلك الألق الإبداعي في الكتاب عن الفيروز من خلال تلك الكتابة الشاعرية الباذخة التي بذلها القاص إبراهيم مبارك، ضمن مقالات وشهادات الكتاب، حيث يتحدث عن تجربة الفيروز والعلاقة التي جمعتهما، وجاء في بعض منها:«أجمل شيء أن يتذكرك الأصدقاء بعد الرحيل، كُثر يرحلون ويبدأ غيابهم حتى قبل رحيلهم، إن من يزرع نخلة أو بستاناً أو من يحفر قناة بين شاطئين، أو حتى بئر ماء يسقي الرائح والغادي، لابد أن تظل ذكراه حاضرة..

والمرحوم جمعة الفيروز زرع المحبة والصداقة وكثيراً من الآداب والفنون».

* صداقات ويتناول الكتاب كذلك، عدداً من العلاقات التي ربطت الفيروز بأسماء من المشهد الثقافي الإماراتي، ويحاور شعراء وكتاباً ومثقفين كان لهم علاقة بالفيروز، وهي المحاورات التي تقدم إضاءات حول الكاتب الراحل، كما يحتوي الإصدار كذلك على عدد من الوثائق والقصائد التي لم تنشر والتي كتبت بخط الفيروز، وكذلك الرسائل المتبادلة بين الراحل وعدد من أصدقائه، كما يضم الكتاب عدداً من الصور الأرشيفية للفيروز في مناسبات مختلفة سواء أمسية شعرية أو جلسة مع الأصدقاء وغير ذلك، ويضم المؤلف أيضاً صوراً من صفحات الجرائد والمجلات التي نشرت كتابات حول الفيروز، وكذلك المواد الصحفية التي شارك فيها الراحل برأي أو مقال، كما يشتمل الكتاب على عدد من القصائد سواء التي كتبها الفيروز، أو التي كتبت عنه.

ويتناول المؤلف كذلك عدداً من إسهامات الفيروز في العمل الثقافي العام في«مسرح رأس الخيمة»، واتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وغير ذلك من الصروح الثقافية التي كان للفيروز أثر فيها لا يُمحى، كما يُعرّج الكتاب على التجربة الروائية عند الفيروز، وغير ذلك من التجارب الإبداعية، حيث إن الكتاب لم يترك شاردة أو واردة في حياة ذلك الكاتب الكبير الذي ستظل ذكراه باقية على مر الأيام، وسيرته خالدة تتناقلها الأجيال..

اقرأ القصة الكاملة من الموقع الرسمي